إنَّ من نِعم الله -عز وجل- على عباده المؤمنين أن يوالي عليهم مواسم الخيرات والطاعات؛ وذلك ليوفِّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله العظيم؛ فهذه المواسم يضاعف الله تعالى فيها الحسنات لعباده، ويكفُّر عنهم سيئاتهم، ويرفع بها درجاتهم، ومن مواسم الخيرات والطاعات يوم عاشوراء؛ وهو اليوم العاشر من شهر محرَّم.
هو يومٌ من أيام الله تعالى؛ أنجى الله فيه موسى ومن معه من المؤمنين، وأُغرِق فيه فرعون ومن معه من الكافرين، فهو يوم تاريخي في حياة البشرية، ونقطة تحوّلٍ عظيمة في الحرب بين الإيمان والكفر، فهو يوم ربط بين المؤمنين بعضهم ببعض وإن اختلفت أنسابهم ولغاتهم بل وأزمنتهم وأمكنتهم، فهو يوم ربط بين موسى ومن معه من المؤمنين، ثم امتد عبر العصور والدهور ليصل لكل من شاركهم في الإيمان بالله الواحد الأحد موحدًا بذلك جميع الرسالات السماوية.
ويظل يوم عاشوراء عبر الزمان، يوم تذكيرٍ بعظيم نِعم الله على عباده الصالحين؛ وذلك بعد هزيمة أعدائهم ونصرهم نصرًا مؤزرًا عليهم، مما يجدد في النفوس الأمل والثقة بالله دومًا في أصعب وأحلك الظروف والمواقف ويبعث على التفاؤل.
هو يوم يدل على توحد الرسالات السماوية وأن الأنبياء بعضهم أولى ببعض؛ وذلك لاتحادهم في الدين والرسالة، فيربي المؤمنين على المحبة فيما بينهم ووحدة صفهم، فصيامه يُذكِّر المسلم بالذي مرَّ على إخوانه في الدين مع نبي الله موسى -عليه السلام- من محاربة أهل الكفر وإيذائهم لهم وصبر المؤمنين منهم على الإيذاء، وبيان فضل الله عليهم بالنجاة والنصر.
كما يربِّي المسلم على أخوة الدين وأنها من أفضل الروابط فهي أفضل من رابطة الدم والنسب، ولذلك قال - صلوات الله وسلامه عليه-: "أنتم أحق بموسى منهم"، في دلالة واضحةٍ وظاهرةٍ على أولوية هذه الأمة بأنبياء الله من الأمم السابقة؛ وذلك حتى من أقوامهم الذين عاندوهم وكذَّبُوهم بما جاءوا به من عند الله تعالى؛ لنكون بذلك شهداء على تبليغ الأنبياء دينهم يوم القيامة على أممهم.
مراحل صيام عاشوراء..
مرَّ صيام يوم عاشوراء بأربع مراحلٍ، وهي: 1- صيام الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهذا اليوم مع قريش في الجاهلية، ولكنه لم يأمر الناس بصيامه، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "إن قريشًا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله بصيامه، حتى فُرِضَ رمضان، فقال رسول الله: من شاء فليصمه، ومن شاء فليفطره". 2– عندما قدم رسول الله المدينة رأى اليهود يصومون عاشوراء، فصامه وأمر الناس في السنة الثانية من الهجرة بصيامه .
واختلف العلماء في حكم صيام عاشوراء قبل أن يفرض صيام رمضان، فمنهم من رأى أنه كان واجبًا، ومنهم من رأى أنه كان سنة مؤكدة. 3- بعد فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة توقف النبي عن حثِّ أصحابه على صيامه مع بقاء استحبابه، فجاء في صحيح مسلم: "فلما فُرِضَ شهر رمضان، قال النبي: "من شاء صامه، ومن شاء تركه". 4– تأكيد النبي على صيامه مع عزمه على صيام يوم تاسوعاء إمعانًا في مخالفة اليهود.
فضل صيام عاشوراء..
أخبر عن فضل صيامه نبينا الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-، فقال: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفِّر السَّنةَ التي قبله"؛ وعن ابن عباس، قال: "ما رأيتُ النبيَّ يتحرَّى صيامَ يوم فضّله على غيره إلاَّ هذا اليوم؛ يوم عاشوراء"؛ فهذا من فضل الله علينا أن جعل صيام يومٍ واحدٍ يكفِّر ذنوب سنةٍ كاملة؛ ولذلك حرص الصحابة الكرام على صيامه.
الحكمة من صيام عاشوراء..
وأما الحكمة من صيام يوم عاشوراء؛ فهي رؤية النبي -صلوات الله وسلامه عليه- بأنه أحق بأخيه في الرسالة والنبوة موسى -عليه السلام- من اليهود الذين خالفوه فيصومه شكرًا لله تعالى على نجاة موسى ومن آمن معه وهلاك القوم الكافرين؛ ليؤكد بذلك على وحدة الرسالة وأن الأنبياء بعضهم أولى ببعض؛ وذلك لاتحادهم في الدين والرسالة، فعن ابن عباسٍ، قال: قَدِم النَّبيُّ المدينة فرأى اليهود تصومُ يوم عاشُوراء، فقال: "ما هذا؟"، قالوا: هذا يومٌ صالح، هذا يومٌ نجَّى الله بني إسرائيل من عدوِّهم فصامه موسى، قال: "فأنا أحقُّ بموسى منكم"، فصامه وأمر بصيامه". وفي رواية أخرى وزاد فيه: "وهو اليوم الذي استوَت فيه السفينة على الجودي، فصامه نوح شكرًا".
ومراتب صوم يوم عاشوراء كما ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" ثلاث مراتب: 1- صوم التاسع والعاشر والحادي عشر؛ وهذا أكملها. 2- صوم التاسع والعاشر فقط؛ وعليه أكثر الأحاديث الواردة عن النبي -صلوات الله وسلامه عليه-. 3- صوم العاشر وحده.
المصدر : البوابة الإلكترونية ( منقول )
التاريخ : 13/9/2018م