*-ويشير الدكتور/عبدالفتاح عبدالغنى العوارى عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر الى أن الحب لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى التأسى به والتخلق بأخلاقه والتحلى بأدابه ومتابعته صلى الله عليه وسلم فى كل ما يؤدى الى أن تكون من الراضين بقضائه وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)، يجب أن يملك على المسلم أقطار نفسه، ويتملك عليه وجدانه، فيصبح حب النبي كالدم الذي يجري في العروق، فإذا عورض النبي، "صلى الله عليه وسلم"، بأي شيء تشتهيه نفس المحب، قدَّم المحب هوى رسول الله، على هوى نفسه، وعلى ما تشتهيه نفسه، بقوله "صلى الله عليه وسلم": (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به) إنما ما جاء به النبي، "صلى الله عليه وسلم"، لو استشعرته النفس الإنسانية المسلمة وطبقت ما جاء به، لحققت لها السعادة في الدارين الدنيا والآخرة، وكان هذا المطبق بحال رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، قد انتظم في سلكه مع سائر الأنبياء والصديقين، وأصبح في معية رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، تصديق ذلك في قوله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا)؛ بل كان هذا الطائع لرسول الله، كان هو المحب لسيدنا رسول الله من أقرب الناس يوم القيامة منزلة ومجلسًا ومكانًا من النبي، "صلى الله عليه وسلم"، (أقربكم مني منزلة أو مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا) ومن أحب أن يكون مع النبي، "صلى الله عليه وسلم"، فكلما أكثر المسلم من الصلاة على رسول الله دنت رتبته منه يوم القيامة، فلا ينبغي أن يجري اسمه مجردًا من رتبته على ألسنتنا، ونخاطبه بكل أدب، حيث ما أدبنا الله في خطابنا له، (يا أيها الرسول) فهو سيد ولد آدم ولا فخر، وهو صاحب اللواء يوم القيامة، وصاحب الحوض المورود، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، أول شافع وأول مُشفع، وأول من يمسك بحلق الجنة فتفتح له أبوابها.
*-ولذا وجب أن يكون الاحتفال بذكرى المولد النبوي، "صلى الله عليه وسلم"، بطاعة الله ورسوله، وبالاستقامة على شريعة الله، والإكثار من الصلاة على النبي، "صلى الله عليه وسلم"، واتباع النبي وسنته الشريفة، وترك المعاصي، والإكثار من الحسنات، وكم رأينا النبي "صلى الله عليه وسلم"، في تعامله مع الأطفال، والأرامل، واليتامى، وكم كان يصل الأرحام، هكذا يكون حب الرسول، "صلى الله عليه وسلام"، ويكون بالتأسي به في أقواله وأعماله، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والدعوة إلى ذلك، هذا هو الحب الصادق الذي يدل عليه العمل الشرعي، والعمل الموافق لشرعه.
*-الاحتفال اختصر فى شراء الحلوى ويجب أن يكون باحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبح الاحتفال عبارة عن شراء الحلوى، وحيازة ما تطيب له النفوس من المأكولات والمشروبات، مع أن الاحتفال والاحتفاء بمولد النبي، "صلى الله عليه وسلم"، إنما يكون بإحياء سنته، وبالسير على نهجه، وباقتفاء أثره، وإذا كان الأمر كذلك، فما أحوجنا إلى أن نحتفل بالنبي، "صلى الله عليه وسلم"، في كل يوم وليلة، خاصة في هذا الزمن الذي صار فيه الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، فانتشر فيه عقوق الوالدين، وقطع صلة الرحم، والنهب والسرقة والرشوة والفساد، فلو فهمت الناس المعنى الحقيقي للاحتفال بمولد النبي، "صلى الله عليه وسلم"، وأنه ينحسر في العمل بما أنزل عليه "صلى الله عليه وسلم"، من الهدى والبينات؛ فإنه ولاشك سوف تختفي هذه المفاسد التي تؤرق أمن المجتمع وتنشر فيه القلق والتوتر، وما ذلك كله إلا لأن الناس فهمت أن الاحتفال بمولد النبي، "صلى الله عليه وسلم"، إنما يكون احتفالًا كلاميًا، ولكن يجب أن يكون احتفالًا فعليًا، ليصل بنا إلى تذكر ما دعا إليه النبي، "صلى الله عليه وسلم"، من مكارم الأخلاق، وقد بين النبي، "صلى الله عليه وسلم"، الجانب الأهم من رسالته، والركن الأعظم من بعثته، فقال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق؛ أي أن الهدف من الفرائض التي فرضها الله علينا، والهدف من السنن التي نتبع رسول الله فيها، "صلى الله عليه وسلم"، هو إتمام مكارم الأخلاق، إذن فليكن الاحتفال بمولد رسول الله، "صلى الله عليه وسلم"، هو اجتماع عالمي لعودة الأخلاق، وعودة أواصر المحبة والمودة بين الناس، ونشر التعاطف والتراحم بين كافة الفئات، دون تعصب ممقوت، أو اندفاع أعمى يجر البشرية، إلى القلق والتوتر، وفقدان التوازن، والعنصرية البغيضة، التي تعاني منها المجتمعات.
*-أما ما يحدث هذه الأيام من المبتدعات التي تحدث في مولد النبي، "صلى الله عليه وسلم"، من المغالاة والإفراط في الاحتفال به، دون اتباع له "صلى الله عليه وسلم"، ومعرفة سيرته، وما دعا إليه في رسالة الإسلام الخالدة، وقصر هذا الاحتفال بمولده "صلى الله عليه وسلم"، على سرادقات تقام وتمتلئ بالحلوى، ويصنع منها تماثيل، فلاشك أن هذا يدمر العقيدة الإسلامية، ويضعف من الإيمان بأن رسالة الإسلام الخالدة التي حمل لواءها رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، إنما هي مجرد أهواء ولعب ولهو وتسلية، فقد قال "صلى الله عليه وسلم": (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، أي أن أمره مردود عليه غير مقبول، فقد سؤل "صلى الله عليه وسلم" عن صيام يوم الإثنين، فقال "صلى الله عليه وسلم"، (ذلك يوم ولدت فيه)، فكان النبي، "صلى الله عليه وسلم" يحتفي به بالصوم، والصوم من أرقى العبادات التي يتعبد بها المسلم لربه، فالاحتفال بمولد رسول الله، "صلى الله عليه وسلم" لا يكون إلا باتباع أوامره واجتناب نواهيه، "صلى الله عليه وسلم".
*-إن الاحتفال بمولده "صلى الله عليه وسلم" أمر مقطوع بمشروعيته، وقد درج سلفنا الصالح على الاحتفال بمولده بشتى أنواع القربات من إطعام للطعام وتلاوة للقرآن وإنشاد للأشعار، بل قد ورد في السنة النبوية ما يدل على احتفال الصحابة الكرام بالنبي وبمولده مع إقراره لذلك وإذنه فيه فعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالمًا أن اضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله "صلى الله عليه وسلم": إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا، فإذا كان الضرب بالدف إعلان للفرح بقدوم النبي "صلى الله عليه وسلم" من الغزو أمرًا مشروعًا أقره النبي "صلى الله عليه وسلم" وأمر بالوفاء بنذره، فإن إعلان الفرح بقدومه "صلي الله عليه وسلم" إلى الدنيا بالدف أو غيره من مظاهر الفرح أكثر مشروعية، وأعظم استحبابًا.
*-المولد ليس بدعه وانما خير وبركه يجدد فينا حب النبى صلى الله عليه وسلم أن عمل المولد ليس بدعة، بل هو خير وبركة يجدد فينا حب النبي "صلى الله عليه وسلم"، ويبث فينا الولاء للنبي والميل إليه، المولد سنة حسنة ولا نمنعه بدعوى أن فيه مشابهة لغيرنا في المعتقد؛ لأن ما يوافق دين الله مما عمله أهل الكتاب إن نحن عملناه فهو مرخص لنا بخلاف ما فعلوه منا لا يوافق دين الله، أليس الرسول "صلى الله عليه وسلم" لما رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء لما قدم المدينة، وقالوا هذا يوم أغرق الله فرعون ونصر موسى، فقال "صلى الله عليه وسلم": نحن أولى بموسى منكم، وأمر بصومه. ما قال "صلى الله عليه وسلم": لا تصوموا عاشوراء لأن اليهود تصومه، وهذا تشبه بهم، بل أمر أمته بصومه، نعظم هذا اليوم كما أن أتباع موسى يعظمونه.
مصدر البيان :البوابة الالكترونية لمركز ومدينة تلا
تاريخ البيان : 2/9/2024م