والإدارة سلوك إسلامي قويم، ومنهج رشيد حثَّ الإسلام على ممارسته في جميع شؤون الحياة؛ لأن بالإدارة يحقق المسلم فعالية في عمله وإنتاجه، وكفاءة في أدائه.
فالسلوك الإداري يتضمن عمليات إدارية متمثِّلة في التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، أضف إلى ذلك الأخلاق الحسنة من صبر وإخلاص واجتهاد وإرادة، كل ذلك من القِيَم التي دلَّتْ عليها نصوص الكتاب والسنَّة، وهدي السلف ـ رضوان الله عليهم. وسنستعرض فيما يلي العمليات الإدارية من المنظور الإسلامي والنبوي.
أاولاَ ـ أ. التخطيط من المنظور الإسلامي
عُرِّف التخطيط الإسلامي بعِدَّة تعاريف، إلاَّ أن كلها تدور حول: «إعمال الفكر في رسم أهداف مشروعة مع تحديد الوسائل المتاحة وفق الموارد المتاحة شرعًا، وبذل الطاقات في استثمارها؛ لتحقيق الأهداف في أقلِّ وقتٍ ممكن، مع تعليق النتائج بقضاء الله وقدره»...
وتعتبر الآيات الواردة في سورة يوسف ـ رؤيا الملك للبقرات السبع وتفسيرها ـ أوَّل موازنة تخطيطيَّة مبنيَّة على أسس علمية، استطاع من خلالها نبي الله يوسف ـ عليه السلام ـ كسب الوقت في سنوات الرخاء بمضاعفة الناتج للإفادة منه في سنوات الجدب؛ وعليه كانت بمثابة أداة رقابية تنفذ هذه الخطة على مدار أربع عشرة سنة، ويدل ذلك على التخطيط لمواجهة تحديات إنجاز العمل في المستقبل ولايترك تحت رحمة المفاجآت بل يأخذ في الاعتبار توقعات المستقبل والإمكانيات المتاحة حالا ومستقبلا وهو ما يتجلى في قوله تعالى: (وأعدوا لهُم ما استطعتُم من قُوةٍ وَمِن رِبَاطِ الخيلِ)... (الأنفال: 60)، وقد وردت هذه الآية الكريمة في مجال التخطيط العسكري لوضع مواجهات للتحديات المستقبلية.
بب. التخطيط النبوي بادئ الأمر كان في العهد المكي والمدني مبنيًّا على تخطيط بعيد المدى ـ إستراتيجي ـ وتخطيط قصير المدى – تنفيذي، وقد كان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم قدوة عظيمة لنا في مجال التخطيط حيث كان عليه أفضل الصلاة والسلام يمتلك الحكمة والفطنة والمنهج الفكري العقائدي المتمثل في الإيمان بالقدر والتوكل على الله والسعي لتحقيق الهدف الشرعي.. فقد استطاع عليه الصلاة والسلام أن يقود به الأمة الإسلامية ويحقق الإنتصارات العظيمة بفضل الله ثم بفضل فطنته الإيمانية. وسيرته العطرة سجل خالد لمن أرد النجاح في الحياة.
أهم عناصر التخطيط من المنظور الإسلامي النبوي
تحديد الأهداف: في قوله عز وجل: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
ـ تحديد الأولويات: ويتجلَّى ذلك في دعوة النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ حيث بدأ بأهله قبل غيرهم: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) (الشعراء: 214). ويتَّضح من خلال وصية النبي ـ صلَّى الله عليْه وسلَّم ـ لمعاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ عندما بعثه إلى اليمن فبدأ بالأهم فالأهم: (التوحيد ـ الصلاة ـ الزكاة).
استثمار جميع الموارد المتاحة: يتضح في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك: 15).
بذل الأسباب والوسائل المشروعة: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال: 60). «المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز
تعليق النتائج بمشيئة الله ـ تعالى: وذلك بعد تفريغ الجهد في الأخذ بالأسباب والتوكُّل على الله ـ تعالى: (وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (الكهف: 23 ـ 24).
التوفيق الإلهي: (وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أنِّي فعلت كذا كان كذا، ولكن قُل: قدَّر الله وما شاء فعل، فإن «لو» تفتح عمل الشيطان)، ممَّا يدعو إلى التفاؤل والمثابرة والانطلاق بجدٍّ وعزيمة لا تعرف اليأس والإحباط.
ثانياً: التنظيم
ويعني التنظيم الهرمي للوظائف المتمثِّل فيما ورد في القرآن الكريم وفي رئاسة ـ صلَّى الله عليْه وسلَّم ـ للدولة الإسلامية، واستعمال آخرين في وظائف متنوِّعة، من ولاية وقضاء وجباية وقيادة الجيوش... إلى غير ذلك من الوظائف الإدارية.
وهي الوظيفة التي تحدِّد الملامح الرئيسة لسير العمل في المؤسسة أو المنظمة: من تحديد الأهداف والأنشطة، وتقسيمها على مجموعات، وتوزيع المهامِّ على الموظَّفين، وتحديد المسؤوليات، وتوضيح العلاقات بين الأفراد، سواء داخل المنظمة أو خارجها، وكتابة اللائحة التنظيمية للعمل التي تخضع لنهج الشريعة الإسلامية.
وتتضمن أهم خصائص التنظيم فيما يلي:
التفويض: من خلال حثّه ـ صلَّى الله عليْه وسلَّم ـ أمَّته على تبليغ الدين، فكل مخول وداعية إلى دين الله: «بلِّغوا عنِّي ولو آية».
إرساله ـ صلَّى الله عليْه وسلَّم ـ لمصعب بن عمير ـ رضي الله عنه ـ داعيًا إلى المدينة، وعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل ـ رضي الله عنهما ـ قضاة ودعاة إلى اليمن، والعلاء بن الحضرمي ـ رضي الله عنه ـ واليًا على البحرين.
ـ قصة موسى ـ عليه السلام ـ حين طلب من ربِّه أن يشدَّ عضده بأخيه هارون ـ عليه السلام ـ وأن يشركه في أمر الدعوة، فموسى كان له حرية الاختيار فيمَن يساعده.
ما فعله ملك مصر مع يوسف ـ عليه السلام ـ حين أعطاه كامل الصلاحيات يتبوَّأ في الأرض، ويتصرَّف في الخزائن كيف يشاء؛ حتى يبدع ويبتكر بكلِّ حرية وطلاقة، وفق الخطة المرسومة من أهداف محددة، فالإسلام ينظر إلى هذه الصلاحيات باعتبارها تشريفًا كمنصب، وتكليفًا كعبء ومسوؤلية.
تقسيم العمل وتحديد الاختصاصات، وذلك من قوله ـ صلَّى الله عليْه وسلَّم: «أرحم أمَّتي بأمَّتي أبو بكر، وأشدُّهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله أبيُّ بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألاَ وإن لكلِّ أمَّة أمينًا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح».
ودليل آخر يدلُّ على تقسيم المهمات: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (التوبة: 122) الآية،
وأمَّا قوله ـ تعالى: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) (الأحزاب: 4) يدلُّ على أنَّ القدرة الإنسانية تقتصر عن أداء عدد من المهمات في آنٍ واحد.
ويوسف ـ عليه السلام ـ يقدم نفسه للملك لكونه يحمل مؤهلاً مشتملاً على الحفظ والعلم اللذين هما أساس الإدارة؛ (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف: 55).
مراعاة حال العامل المكلَّف: وذلك من خلال استعمال خلق الرفق معهم، والإحسان إليهم، وعدم تكليفهم من الأعمال ما لا يطيقونه: ((ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نُزِع من شيء إلا شانه)).
قوله تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) (البقرة: 286)، فالنفس البشرية يعتريها الضعف والقصور.
ثالثًا: التوجيه:
التوجيه معناه توجيه الآخرين ونصحهم وإرشادهم أثناء قيامهم بتنفيذ الأعمال الموكلة إليهم؛ أي: يُعتَبَر بمثابة الوظيفة التنفيذية للإرشاد وملاحظة المرؤوسين، وتبرز أهمية التوجيه عندما تأتي النتائج إيجابية، والتوجيه السليم الرشيد هو الذي ينتج عنه نتائج إيجابية طيبة.وذلك من خلال
أ - النصيحة إمَّا للمرؤوسين أو الرؤساء عمومًا: (الدين النصيحة )
ب - في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (مَن رأى منكم منكرا )
ج - تحديد توقيت التوجيه وعدم الإطالة فيه: «كان رسول الله ـ صلَّى الله عليْه وسلَّم ـ يتخوَّلنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا
د - التحفيز: ( مَن استأجر أجيرًا فليعلمه أجره)
رابعًا: الرقابة:
وتعني: المتابعة والتأكيد على سير نظام الخطَّة، وموافقتها للأهداف الموضوعة مسبقًا، ومعالجة الانحرافات والأخطاء وتصحيحها، ومحاسبة المقصر والمفرط.
والرقابة في الإسلام في السنة النبوية نوعان هما:
الرقابة الذاتية: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...). إحياء مبدأ استشعار المسؤولية الفردية، والأمانة الموكلة، وأهمية العدل في الأمور، وأنها كلها ممَّا سيُسأَل عنه الإنسان يوم القيامة أمام الله تعالى.
الرقابة الإدارية: من جانب أن الإسلام وضع إجراءات، وحدد حدودًا، وشرع أحكامًا تساعد على الردع والزجر لكل مَن ضعفت عنده الرقابة الذاتية، ويتمثَّل ذلك في الحدود والقصاص وعقوبة التعزيز والقتل، كما شرع شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأكَّد على أهمية الرقابة الجماعية.
ويجسِّد هذا المعنى في السنة النبوية حديث ابن اللُّتْبيَّة ـ عامل الصدقات ـ الذي حاسَبَه النبي ـ صلَّى الله عليْه وسلَّم ـ لمَّا قال: هذا لكم وهذا أُهدِي لي، فقال ـ صلَّى الله عليْه وسلَّم: «فهلاَّ جلس في بيت أبيه أو بيت أمه فينظر أيُهدَى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحد منه شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته...»، كما حثَّ على ضرورة التنبيه على أخطاء المسؤولين: «أبلغوني حاجة مَن لا يستطيع إبلاغها
المصدر / مركز معلومات المديرية
تاريخ النشر / 15/9/2016