مقدمة :
أحدثت التطورات العلمية التقنية خلال النصف الثاني من القرن العشرين قاعدة أساسية ، لتشكل حالة جديدة من الحضارة الإنسانية تميزت بتحقيق إنجازات مذهلة في تقنيات الحاسوب ووسائل الاتصال فضلا عن عدد آخر من الإنجازات التقنية التي حازت على اهتمام كثير من المراقبين، لكنها في الوقت نفسه أهملت المشاكل المتعلقة بفرص بقاء الإنسانية في ظروف الأزمات البيئية الكونية المصاحبة لهذه الحالة الجديدة من الحضارة حيث يمكن ملاحظة الانخفاض النسبي في اهتمام كل من الجماعة العلمية والمجتمع السياسي بتلك المشاكل خاصة في ظل غياب طريق واقعي لحل مثل تلك المشاكل البيئية.
تبنت غالبية الدول الصناعية المتقدمة في النصف الثاني من القرن العشرين طريق التقدم المتنامي في العلم والتقنية، وأساليب الإنتاج مما أدى إلى بروز ما أصبح يعرف بمجتمع المعلومات أو المجتمع ما بعد الصناعي الذي لم يعد يعتمد على نشاط الأفراد ولا على المجتمع ككل بقدر اعتماده على فرضية قدرة البشر على السيطرة على ذلك التقدم. إلا أن التطورات غير المنضبطة المصاحبة للتقدم الصناعي قد أسهمت من جانب أخر في تنامي سلسلة من المشاكل ذات الطابع البيئي، حيث أضحت قضايا التدهور البيئي، والتصحر، والفقر، وعدم المساواة الاقتصادية، والدفء الكوني، والانفجار السكاني، وتزايد معدلات انقراض الكائنات الحية بشكل مخيف، والأمطار الحمضية، واستنفاد طبقة الأوزون، وتلوث الماء والهواء .
ويطرح بروز هذه المشاكل البيئية وتفاقم حدتها عدة تحديات غير منظورة للعلوم الاجتماعية وللاهتمامات اليومية للمواطنين والحكومات والمصالح الخاصة، حيث لم يعد ما يواجهه العالم اليوم محصورا في الحالة المتمثلة في استنزاف الموارد الطبيعية(Meadows 1972) التي يمكن مواجهتها وإن كان بطريقة محدودة وغير ذات كفاءة ، من خلال إحلال رأس المال الطبيعي برأس مال مادي، ونتيجة ما أحدثته الثورة الصناعية من أضرار بيئية نشأت تساؤلات حول التنمية الاقتصادية وعلاقتها بالبيئة ، وعن النمو المتزايد في الجانب الاقتصادي على حساب المقدرات البيئية ، والنظم الاجتماعية. (عبد الخالق ، 1993م ) ، فان الاستخدام الجائر للمصادر الطبيعية و استنزاف الثروات الأرضية والزيادة السكانية المضطردة أدى إلي أن ينتبه العالم إلي أهمية دراسة هذه الإمكانيات و كيف ستلبي الاحتياجات المتزايدة في المستقبل . وقد هيأت الدراسة التي أعدتها لجنة بروندتلاند لعام 1987م (Brundtland) بعنوان مصيرنا المشترك ، الانطلاقة الفعلية للتنمية المستدامة ( البنا ، 2000م ).
وتحاول حركة الاستدامة اليوم تطوير وسائل اقتصادية وزراعية جديدة تكون قادرة على تلبية احتياجات الحاضر وتتمتع باستدامة ذاتية على الأمد الطويل، خاصة بعدما أتضح أن الوسائل المستخدمة حاليا في برامج حماية البيئة القائمة على استثمار قدر كبير من المال والجهد لم تعد مجدية نظرا لأن المجتمع الإنساني ذاته ينفق مبالغا وجهودا أكبر في شركات ومشاريع تتسبب في إحداث مثل تلك الأضرار. وهذا التناقض القائم في المجتمع الحديث بين الرغبة في حماية البيئة واستدامتها وتمويل الشركات والبرامج المدمرة للبيئة في الوقت نفسه هو الذي يفسر سبب الحاجة الماسة لتطوير نسق جديد مستدام يتطلب إحداث تغييرات ثقافية واسعة فضلا عن إصلاحات زراعية واقتصادية.
مشكلة البحث :
كانت مجموعة الدراسات المترتبة علي مشروع " المأزق الذي يواجه الجنس البشري " بأكاديمية دي لينشي بروما عام 1968م ، والهادف إلي دراسة المشكلات المعوقة للجنس البشري مثل الفقر ، وتدهور البيئة ، والهجرة من الريف إلي الحضر ، ورفض القيم التقليدية وغيرها ( محمد ، 1990م ) قد خلصت إلي وضع نظرية سميث المعروفة بنظرية حدود النمو ، والتي انتهت إلي أن استمرار استفاد الموارد الطبيعية سوف يدفع إلي انهيار مفاجئ في قدرة البيئة علي الوفاء باحتياجات التقدم ، وان تلافي خطورة هذا الأمر يتطلب إحداث نوع من التوازن البيئي والاستقرار الاقتصادي ، غير أن تعرًض نظرية النمو لانتقادات شديدة إزاء ما تضمنته من تشاؤم مفرط كان قد دفع إلي ظهور نظرية التنمية المستدامة بتصور مواجهة بين البيئة والاقتصاد ، ومحاولة لدمجهما معا كأساس للتحول عن الأهداف التقليدية لعلم الاقتصاد المرتبطة بإشباع رغبات المستهلك وتحقيق أقصي ربح للمنتج وغير ذلك من صيغ محدودة الفائدة .وعليه تمثلت مشكلة البحث في السؤال الرئيس التالي : ما هي التنمية المستدامة ؟ وتتفرع منه الأسئلة الآتية : ما هي أسس التنمية المستدامة ؟ وما هي أهم مؤشراتها ؟ وما إمكانية تحقيق التنمية المستدامة ؟
أهمية البحث :
تنبع أهمية هذا البحث من أهمية موضوعه وهو التنمية المستدامة الذي أصبح أسلوبا من أساليب التنمية التي يفرضها العصر الحاضر الذي يتصف بالتطور والتغير المتسارع، والذي يفرض على الدول والهيئات والمنظمات ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد مواكبته حتى تحقق التوازن الاجتماعي الناتج عن العولمة وتأثيراتها السلبية. فيسلط هذا البحث الضوء على قضية التنمية المستدامة ومفاهيمها المتعددة ، فكانت أهميته للاتي :
1- أصبحت حماية البيئة وموارها وخلق الوعي البيئي والتفهم الصحيح لقضايا البيئة بالاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية في ظل التنمية المستدامة هدفا أساسيا للإنسان ولمنفعة المجتمع .
2- اهتمام دول العالم بالقضايا البيئية والتنمية المستدامة مؤكدة من خلال عقد المؤتمرات والندوات والتي تؤكد علي الوعي البيئي والاهتمام بالتنمية المستدامة .
أهداف البحث :
يهدف البحث إلي :
1- الوقوف علي مفهوم التنمية المستدامة .
2- العوامل التي تساعد علي تحقيق التنمية المستدامة .
تعريف التنمية المستدامة :
تعد التنمية بأنواعها عملية ديناميكية مستمرة تنبع من الكيان وتشمل جميع الاتجاهات، فهي كعملية مطردة تهدف إلى تبديل الهياكل الاجتماعية وتعديل الأدوار والمراكز وتحريك الإمكانات المتعددة الجوانب بعد رصدها وتوجيهها نحو تحقيق هدف التغيير في المعطيات الفكرية والقيمية وبناء دعائم الدولة العصرية وذلك من خلال تكافل القوى البشرية لترجمة الخطط العلمية التنموية إلى مشروعات فاعلة تؤدي مخرجاتها إلى إحداث التغييرات المطلوبة (الزهراني 1426هـ).
قد أورد (Fowke & Prasad 1996 ) أكثر من ثمانين تعريفا مختلفا وفي الغالب متنافسا وأحيانا متناقضا . ومن أهم تلك التعريفات وأوسعها انتشارا ذلك الوارد في تقرير بروندتلاند (نشر من قبل اللجنة غبر الحكومية التي أنشأتها الأمم المتحدة في أواسط الثمانينات من القرن العشرين بزعامة جروهارلن بروندتلاند لتقديم تقرير عن القضايا البيئية)، والذي عرف التنمية المستدامة على أنها "التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها" (WCED 1987: 8,43). وعًرفت بأنها : " السعي الدائم لتطوير نوعية الحياة الإنسانية مع الوضع في الاعتبار قدرات النظام البيئي " (فيانا ، 1994) . ولقد خرج مؤتمر منظمة الزراعة والاغذية العالمية (FAO) بتعريف أوسع للتنمية المستدامة بأنها " إدارة قاعدة الموارد وصونها وتوجيه عملية التغير البيولوجي والمؤسسي على نحو يضمن إشباع الحاجات الإنسانية للأجيال الحاضرة والمقبلة بصفة مستمرة في كل القطاعات الاقتصادية ، ولا تؤدي إلى تدهور البيئة وتتسم بالفنية والقبول". ( وليم ، 1990 ) . وهي تنمية تراعي حق الأجيال القادمة في الثروات الطبيعية للمجال الحيوي لكوكب الأرض، كما أنها تضع الاحتياجات الأساسية للإنسان في المقام الأول، فأولوياتها هي تلبية احتياجات المرء من الغذاء والمسكن والملبس وحق العمل والتعليم والحصول على الخدمات الصحية وكل ما يتصل بتحسين نوعية حياته المادية والاجتماعية. وهي تنمية تشترط ألا نأخذ من الأرض أكثر مما نعطي ( العوضي ، 2003م ) .
أسس التنمية المستدامة :
يستند مفهوم التنمية المستدامة إلي مجموعة من الأسس أو الضمانات الرامية إلي تحقيق أهدافها وكانت أهمها :
1- أن تأخذ التنمية في الاعتبار الحفاظ علي خصائص ومستوي أداء الموارد الطبيعية الحالي والمستقبلي كأساس لشراكة الأجيال المقبلة في المتاح من تلك الموارد .
2- لا ترتكز التنمية إزاء هذا المفهوم علي قيمة عائدات النمو الاقتصادي بقدر ارتكازها علي نوعية وكيفية توزيع تلك العائدات ، وما يترتب علي ذلك من تحسين للظروف المعيشية للمواطنين حال الربط بين سياسات التنمية والحفاظ علي البيئة .
3- يتعين إعادة النظر في أنماط الاستثمار الحالية ، مع تعزيز استخدام وسائل تقنية أكثر توافقا مع البيئة تستهدف الحد من مظاهر الضرر والإخلال بالتوازن البيئي والحفاظ علي استمرارية الموارد الطبيعية .
4- لا ينبغي الاكتفاء بتعديل أنماط الاستثمار وهياكل الإنتاج ، وإنما يستلزم الأمر أيضا تعديل أنماط الاستهلاك السائدة اجتنابا للإسراف وتبديد الموارد وتلوث البيئة .
5- لابد أن يشتمل مفهوم العائد من التنمية ليشمل كل ما يعود علي المجتمع بنفع بحيث لا يقتصر ذلك المفهوم علي العائد والتكلفة ، استنادا إلي مردود الآثار البيئية الغير مباشرة وما يترتب عليها من كلفة اجتماعية ، تجسد أوجه القصور في الموارد الطبيعية ( إبراهيم ، 2004 ) .
6- استدامة وتواصل واستمرارية النظم الإنتاجية أساس الوقاية من احتمالات انهيار مقومات التنمية خاصة بالدول النامية التي تعتمد علي نظم تقليدية ترتبط بمقومات البيئة الطبيعية ( Barbara , 1995 )
مؤشرات التنمية المستدامة :
لعله من المفيد الإشارة إلى أبرز المؤشرات الأساسية للتنمية المستدامة المتمثلة في الآتي :
1- التنمية عملية وليست حالة، وبالتالي فإنها مستمرة ومتصاعدة، تعبيراً عن تجدد احتياجات المجتمع وتزايدها.
2 - التنمية عملية مجتمعية، يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات، ولا يجوز اعتمادها على فئة قليلة أو مورد واحد.
3 - التنمية عملية واعية، وهذا يعني أنها ليست عملية عشوائية، وإنما عملية محددة الغايات، ذات إستراتيجية طويلة المدى، وأهداف مرحلية وخطط وبرامج.
4 - التنمية عملية موجهة بموجب إرادة تنموية، تعي الغايات المجتمعية وتلتزم بتحقيقها، وتمتلك القدرة على تحقيق الاستخدام الكفء لموارد المجتمع، إنتاجاً وتوزيعاً، بموجب أسلوب حضاري يحافظ على طاقات المجتمع.
5)أهمية إحداث تحولات هيكلية، وهذا يمثل إحدى السمات التي تميّز عملية التنمية الشاملة عن عملية النمو الاقتصادي. وهذه التحولات في الإطار السياسي والاجتماعي، مثلما هي في القدرة والتقنية والبناء المادي للقاعدة الإنتاجية.
6 - إيجاد طاقة إنتاجية ذاتية، وهذا يتطلب من عملية التنمية أن تبني قاعدة إنتاجية صلبة وطاقة مجتمعية متجددة. وأن تكون مرتكزات هذا البناء محلية ذاتية، متنوعة، ومتشابكة، ومتكاملة، ونامية، وقادرة على مواجهة التغيّرات في ترتيب أهمية العناصر المكونة لها، على أن يتوفر لهذه القاعدة التنظيم الاجتماعي السليم، والقدرة المؤسسية الراسخة، والموارد البشرية المدربة والحافزة، والقدرة التقنية الذاتية، والتراكم الرأسمالي الكمي والنوعي الكافي.
7 - تحقيق تزايد منتظم، عبر فترات زمنية طويلة قادراً على الاستمرار.
8 - زيادة متوسط إنتاجية الفرد، وهذا يمكن التعبير عنه بالمؤشر الاقتصادي المعروف " بمتوسط الدخل السنوي للفرد " إذا ما أخذ بمعناه الصحيح، وإذا ما توفرت له أدوات القياس الصحيحة.
9 - تزايد قدرات المجتمع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتقنية بما يتوازن مع متوسط النمو النسبي المقارن في المجتمعات الأممية الأخرى.
10 - أن ترتبط التنمية بإطارها الاجتماعي والسياسي من خلال الحفز والتشجيع ، ويتمثل ذلك في نظام الحوافز القائم على أساس الربط بين الجهد والمكافأة، إضافة إلى تأكيد انتماء الفرد لمجتمعه من خلال تطبيق مبدأ المشاركة بمعناها الواسع، وكذلك جانب العدالة في توزيع ثمرات التنمية وتأكيد ضمانات الوجود الحيوي للأفراد والجماعات، وللمجتمع نفسه. فهذه الجوانب، بالإضافة إلى كونها تمثل أهداف التنمية، هي في الوقت نفسه مصدر قوة وسائلها وفاعلية وكفاءة أدائها.
وفي الواقع فإن معظم تقارير الدول التي تم تقديمها لسكرتارية الأمم المتحدة حول تنفيذ الحكومات لخطط التنمية المستدامة تركز على تعداد المشاريع التي تم تنفيذها والاتفاقيات التي تم توقيعها والمصادقة عليها، وكان معظم هذا التقييم نظريا وإنشائيا ويخضع لمزاج المؤسسة التي تعد التقرير، وهي دائما مؤسسة حكومية يهمها التركيز على الايجابيات وعدم وجود تقييم نقدي حقيقي. ولهذا حاولت لجنة التنمية المستدامة في الأمم المتحدة الوصول إلى مؤشرات معتمدة للتنمية المستدامة لكنها لم تنتشر على مستوى العالم حتى الآن، كما لم يتم وضع دراسة مقارنة بين الدول في مجال التنمية المستدامة إلا من خلال مؤشرات الاستدامة البيئية للعام 2005 والتي وجدت الكثير من النقد المنهجي ( قرين ، 2008م).
مجالات تحقيق التنمية المستدامة :
تطلب تطبيق مفهوم التنمية المستدامة في العالم، تحسين الظروف المعيشية لجميع سكان العالم، بالشكل الذي يحافظ على الموارد الطبيعية، وتجنيبها أن تكون عرضة للهدر والاستنزاف غير المبرر. ولتحقيق هذه المعادلة الصعبة، يطلب الأمر التركيز على ثلاث مجالات رئيسة ترتبط بتحقيق مفهوم التنمية المستدامة، وهي:
1 - تحقيق النمو الاقتصادي والعدالة، من خلال خلق ترابط بين الأنظمة والقوانين الاقتصادية العالمية، بما يكفل النمو الاقتصادي المسؤول والطويل الأجل لجميع دول ومجتمعات العالم دون استثناء أو تمييز.
2 - المحافظة على الموارد البيئية والطبيعية للأجيال المقبلة، والذي يتطلب البحث المستمر عن إيجاد الحلول الكفيلة للحد من الاستهلاك غير المبرر وغير المرشد للموارد الاقتصادية، هذا إضافة إلى الحد من العوامل الملوثة للبيئة.
3 - تحقيق التنمية الاجتماعية في جميع أنحاء العالم، من خلال إيجاد فرص العمل وتوفير الغذاء والتعليم والرعاية الصحية للجميع، بما في ذلك توفير الماء والطاقة. توالت الجهود العالمية ما بين عام 1972 وعام 2002 للتأكيد على ضرورة إرساء قواعد التنمية المستدامة على مستوى العالم، من خلال عقد ثلاثة مؤتمرات أرض دولية مهمة .
معوقات التنمية المستدامة :
نبهت جميع مؤتمرات قمة الأرض إلى محدودية وندرة الموارد الطبيعية والاقتصادية على مستوى العالم، وأن الاستمرار في استخدامها غير المرشد قد يعرضها للاستنزاف، وبالتالي إلى عدم القدرة على الوفاء باحتياجات الأجيال المقبلة، ومن هذا المنطلق أكدت تلك المؤتمرات ضرورة خلق علاقة أخلاقية تربط بين الإنسان والبيئة، يتحقق عنها صون للبيئة، إضافة إلى ذلك قد نبهت إلى ضرورة التعامل مع الموارد الطبيعية والاقتصادية بكفاءة عالية، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس، من خلال ضمان الفرص المتكافئة في مجالات التعليم والصحة والتنمية، بما في ذلك اجتثاث الفقر.
رغم الجهود العالمية والمحاولات الجادة لتحقيق مطلب التنمية المستدامة في جميع دول ومجتمعات العالم، إلا أنه لا تزال تلك المحاولات قاصرة إلى حد كبير، وذلك لعدد من الأسباب، التي لعل من بين أهمها وأبرزها:
1 - الزيادة المطردة في عدد سكان العالم، إذ تشير الإحصائيات إلى أن ما يزيد على ستة مليارات شخص يسكنون هذه الأرض، أو ما يمثل نحو نسبة 140 في المائة خلال الـ 50 عاما الماضية، كما يتوقع أن يبلغ عدد سكان العالم بحلول عام 2050 تسعة مليارات نسمة، مما سيضاعف من تعقيدات التنمية المستدامة.
2 - انتشار الفقر المدقع في العالم، إذ تشير الإحصائيات إلى أن خمس سكان العالم مضطرون للعيش على أقل من دولار واحد في اليوم، هذا إضافة إلى أن نحو 1.1 مليار شخص لا تتوافر لديهم مياه الشرب المأمونة، وأن مياه الشرب الملوثة وعدم كفاية الإمدادات من الماء يتسببان في نحو 10 في المائة من جميع الأمراض في البلدان النامية.
3 - عدم الاستقرار في كثير من مناطق العالم و الناتج عن غياب السلام والأمن .
4 - مشكلة الفقر في بعض دول العالم والتي تزداد حدة مع الأمية وارتفاع عدد السكان والبطالة وتراكم الديون وفوائدها والاستغلال غير الرشيد للموارد الطبيعية.
5 - استمرار الهجرة من الأرياف إلى المناطق الحضرية وانتشار ظاهرة المناطق العشوائية، وتفاقم الضغوط على الأنظمة الإيكولوجية وعلى المرافق والخدمات الحضرية، وتلوث الهواء وتراكم النفايات.
6 - تعرض مناطق من العالم بصفة عامة لظروف مناخية قاسية ، وخاصة انخفاض معدلات الأمطار عن المعدل العام السنوي ، وارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف ومعدلات البخر والنتح ، مما أدى إلى تكرار ظاهرة الجفاف وزيادة التصحر.
7 - محدودية الموارد الطبيعية وسوء استغلالها بما فيها النقص الحاد في الموارد المائية وتلوثها وندرة الأراضي الصالحة للاستغلال في النشاطات الزراعية المختلفة ، وتدهور نوعيتهما، ونقص الطاقة غير المتجددة في بعض أقطار العالم .
8 - عدم موائمة بعض التقنيات والتجارب المستوردة من الدول المتقدمة مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في بعض دول العالم النامي ، ونقص الكفاءات الوطنية القادرة على التعامل معها.
التعامل مع تحديات ومعوقات تحقيق متطلبات التنمية المستدامة، يتطلب وفق التقارير الدولية المعنية بشؤون التنمية المستدامة، وكذلك آراء المختصين، التخفيف من حدة الفقر في بلدان العالم، وبالأخص في المجتمعات الريفية، التي يعيش فيها معظم الفقراء، هذا إضافة إلى ضرورة تحسين قدرة جميع البلدان، وبالذات البلدان النامية المرتبطة بالتصدي لتحديات العولمة والاعتماد على بناء القدرات الذاتية، بما في ذلك التشجيع على أنماط استهلاك وإنتاج مسؤولة للحد الفاقد ومن الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية والاقتصادية، وكذلك القضاء على المشكلات الصحية، وبالذات الأمراض والأوبئة المستعصية، مثال مرض الكوليرا الذي عادة ما ينتشر في البلدان الفقيرة بسبب سوء الرعاية الصحية المتوافرة لديهم، إضافة إلى انتشار المياه الملوثة والمستنقعات.
إمكانية تحقيق التنمية المستدامة :
لتحقيق التنمية المستدامة بمفهومها ومنهجها الشمولي لابد من وجود إرادة سياسية للدول وكذلك استعداد لدى المجتمعات والأفراد لتحقيقها ، فالتنمية المستدامة عملية مجتمعية يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات بشكل متناسق، ولا يجوز اعتمادها على فئة قليلة، ومورد واحد. فبدون المشاركة والحريات الأساسية لا يمكن تصوّر قبول المجتمع بالالتزام الوافي بأهداف التنمية وبأعبائها والتضحيات المطلوبة في سبيلها، أو تصوّر تمتعه بمكاسب التنمية ومنجزاتها إلى المدى المقبول، كما لا يمكن تصوّر قيام حالة من تكافؤ الفرص الحقيقي وتوّفر إمكانية الحراك الاجتماعي والتوزيع العادل للثروة والدخل . فلابد أن تقوم كل فئة من فئات المجتمع بدورها لتحقق التنمية المستدامة ، وهي :
دور الفرد في التنمية المستدامة :
إن التنمية في فلسفتها مفهوم أخلاقي، فهي تعتمد على تغير في أنماط السلوك بحيث يتحمل الفرد مسؤولية الشعور بالآخرين من حوله وكذلك بمن سيأتي بعده. فالتنمية المستدامة محورها هو الإنسان وتوفير الحياة الأفضل له وبالتالي فإن كل إنسان أيا كان موقعه سواء المواطن الذي يراعي احتياجاته واحتياجات أبنائه وجيرانه والمحيط الذي يعيش فيه أو كان الموظف الذي يؤدي واجبه بأمانة لتحقيق الأفضل لكل المستفيدين من خدماته أو على مستوى صانع القرار أو واضع السياسة التي من شأنها ضمان رغد العيش والقدرة على تلبية الاحتياجات للحاضر والمستقبل. فطالما محور التنمية المستدامة هو الفرد واحتياجاته فإن الفرد أيضا هو الأساس في بناء هذه التنمية.
دور الأسرة في التنمية المستدامة :
للأسرة دور كبير في خلق جيل واعي ومنتمي إلى مجتمعه وبلده يحرص على أن يتمتع الجميع بمستوى عيش مقبول ومريح .
ولعل الأسرة هي القدوة في السلوك الذي يكتسبه الفرد منذ الصغر فإذا كانت الأسرة حريصة على محيطها وبيئته فإن أفرادها سيكونون كذلك.فالأسرة هي المعلم الأول لمبادىء التنمية المستدامة من حيث صقل وزيادة الوعي والإدراك للحرص على آخرين كما نحرص على أنفسنا.
دور المجتمع :
يؤدي المجتمع دوراً بالغ الأهمية في معالجة قضايا البيئة والتنمية المستدامة ، فالمجتمع هو المحرك الأساسي والمحور في عملية التنمية المستدامة وذلك من خلال وجود مجتمع واعي ومتفهم لحقوق الجميع وواجباته من خلال مجتمع متكامل تتحقق فيه المساواة والعدالة الاجتماعية وفي نفس الوقت يهيئ أجيال تحافظ علي بيئتها ومحيطها ، وتحرص علي أن يتمتع الجيل القادم بما تمتعوا فيه في بيئة سليمة . ويقع علي المجتمع دور هام في خلق البيئة الاستثمارية لنمو اقتصادي مستدام من خلال مبادرات المجتمع من النشاطات الاقتصادية والاجتماعية التي تهدف لزيادة الدخل . وقد شهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في دور وقدرات ومشاركات تنظيمات المجتمع المدني ، الأمر الذي يسلط الضوء على ضرورة أن تعمل الحكومات والمنظمات الدولية على تمكين وتعزيز مشاركة هذه التنظيمات في نشاطاتها في المسائل البيئية لتحقيق التنمية المستدامة ، و تفويض السلطة للمجتمع لكي ينمى نفسه بنفسه ويستطيع أن يواصل أمور التنمية وأن يكون متفهماً لكل جوانبها (ريحان،2002 ) .
توصل المجتمع المدني إلى أشكال جديدة وفعالة للتعبير عن المشاعر والاهتمامات الشعبية ، ومن هنا أصبح يعتبر أداة قوية لتعزيز القيم ومقاصد التنمية المستدامة . وينهض المجتمع المدني بدور هام يلفت أنظار السياسيين إلى القضايا البيئية الناشئة ، والتوعية الجماهيرية ، وترويج الأفكار والنهج الإبتكارية ، والدعوة إلى الشفافية والنشاطات غير الفاسدة في مجال صنع القرارات البيئية.
دور القطاع الخاص :
إن القطاع الخاص شريك أساسي وهو الميزان الذي يتجدد من خلاله الأهداف التنموية. فبالحديث عن التنمية عبر برامج ونشاطات مستديمة. فالجانب الاقتصادي في التنمية هو الأكثر ارتباطا كمؤشر وكنتيجة لهذه التنمية على الأفراد وتركيز القطاع الخاص واتجاهه إلى التخطيط طويل الأمد.
فالاستثمارات التي تؤدي دورها في خدمة المجتمع والمواطن من خلال المشاركة الفاعلة في توفير فرص العمل ضمن ظروف مهنية مناسبة تراعي سلامة الموظف والعامل وأمنه الوظيفي وشروط صحية تراعي المهنة أو الحرفة التي يمارسها وكذلك مراعاة السلامة البيئية لمحيط العمل والمحيط الخارجي.
إن السياسات الاستثمارية والتنموية للقطاع الخاص يجب أن تكون الإنتاج النظيف وتقليل التلوث بمختلف أنواعه تؤمن الاستمرارية لهذه الاستثمارات وتوفر الدعم الشعبي والرسمي ولا نختلف في أن تكون مؤسسات القطاع الخاص ذات رسالة اجتماعية تدعم المجتمعات المحلية بشكل مادي ومعنوي يجعل منها بنية وركيزة من ركائز تطوير المجتمعات والنهوض بأفرادها.
ظهر القطاع الخاص كطرف عالمي فاعل له تأثيره الهام على الاتجاهات البيئية من خلال ما يتخذ من مقررات بشأن الاستثمار والتكنولوجيا ؛ وتستطيع الحكومات أن تؤدي ، في هذا الشأن، دوراً حاسماً في إيجاد البيئة المواتية. وينبغي زيادة القدرات المؤسسية والتنظيمية التي تسمح للحكومات بالتفاعل مع القطاع الخاص. كما يتعين العمل على زيادة الالتزام من جانب القطاع الخاص بحيث تتولد عنه ثقافة جديدة تدل على مسؤوليته نحو البيئة من خلال تطبيق مبدأ "الملوث يدفع"، ومؤشرات الأداء البيئي ، والإبلاغ عن هذا الأداء ، وإتباع نهج تحوطي في اتخاذ المقررات بشأن الاستثمار والتكنولوجيا. ويجب أن يرتبط هذا النهج بتنمية التكنولوجيات الأقل تلويثاً والأكثر ترشيداً ، لتسخير الموارد لخدمة الاقتصاد الذي يشمل دورة الحياة بأكملها وكذلك ببذل الجهود التي تيسر نقل التكنولوجيات السليمة بيئياً.
الدور الحكومي :
إن الحكومة هي راسمة السياسات وصانعة القرارات ومن أهم شروط تحقيق التنمية المستدامة هو أن تكون هذه السياسات وما يتبعها من خطط ذات شمولية وتكامل بحيث لا تتعارض قوانين وتشريعات مؤسسة أو وزارة مع غيرها بل على العكس تكون في مجملها ضمن إطار وضع هذه السياسات مراعاة لجوانب ومناحي التنمية المستدامة فلا يتم فصل الجانب البيئي والاجتماعي عن الخطط الاقتصادية والاقتصاد ولا ينفصل عن العمل البيئي والاجتماعي.
والدور المركزي للحكومة ومؤسساتها لعب الدور الرقابي والمتابع لكافة نواحي التنمية من خلال كوادر مؤهلة تعي مفاهيم التنمية المستدامة وتطبيقاتها ضمن برامج واضحة ومحددة يكون كل منها مدعم ومكمل للآخر. كذلك يقع على عاتق الجهاز الحكومي كما هي العناية بالوضع الداخلي للتنمية أن يكون منسجم مع التوجيهات العالمية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال المشاركة في الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تحقق هذه الغاية وعكس هذا التوجه على الوضع المحلي من خلال وضع إستراتيجية وطنية للتنمية المستدامة يضعها ويطبقها كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها وتكون المرجع للنهوض بالتنمية المستدامة وتطبيقاتها على كافة مفاصل العمل الحكومي ابتداءً من الموظف وانتهاءً بالمؤسسة التي يعمل بها .
دور القانون في حماية التنمية المستدامة وتدعيمها :
اجتمع في الفترة من 18 إلى 20 آب/أغسطس عام 2002 أعضاء الهيئات القضائية من جميع أنحاء العالم بالندوة العالمية للقضاة المعنية بالتنمية المستدامة ودور القانون، وذلك في جوهانسبرج، جنوب أفريقيا، لتأكيد الالتزام بتطبيق القوانين لحماية البيئة واستمرار التنمية المستدامة .
على الرغم من أن هذا الدور هو أيضا حكومي ولكن المقصود هنا وجود آليات قانونية مفعلة كجزء من الجهاز الرقابي فقوانين الاستثمار والتنمية الاجتماعية وقوانين العمل والعمال وما بين البيئة وأنظمتها يجب أن تتكامل في رؤية قانونية تمكن رجل القانون على كافة المستويات من ضبط العملية التنموية ودفعها للأمام بقوانين عصرية تؤكد النهج الشمولي للتنمية. هذا الدور يتطلب وجود مؤسسات قانونية مدركة لأهمية هذه التنمية ومؤهلة بكوادرها لتطبيق القوانين وتفعيلها لضمان الوصول إلى الهدف المنشود. كذلك يمثل تطبيق حملة القوانين المتعلقة بالتنمية المستدامة ركيزة المحافظة على تحقيق هذه التنمية التي تتصف بالمدى البعيد والمحتاجة لنفس طويل من قبل الجميع.
النتائج والتوصيات :
توصلت الدراسة إلي أن مفهوم التنمية المستدامة قد لقي قبولا واستخداما دوليا واسعا منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي ، وتعددت تعريفاتها ، كما توجد أسس ومؤشرات عديدة للتنمية المستدامة ، ويتطلب تحقيقها وجود إرادة سياسية للدول وكذلك استعداد لدى المجتمعات والأفراد لتحقيقها ، فالتنمية المستدامة عملية مجتمعية يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات بشكل متناسق، ولا يجوز اعتمادها على فئة قليلة، ومورد واحد. فبدون المشاركة والحريات الأساسية لا يمكن تصوّر قبول المجتمع بالالتزام الوافي بأهداف التنمية وبأعبائها والتضحيات المطلوبة في سبيلها .
واعتمادا علي تلك النتائج فقد أوصي البحث بعدد من النتائج منها :
1 - تبني إستراتيجية وطنية للتنمية المستدامة يشارك في بنائها وإعدادها كل الجهات والمؤسسات وأفراد المجتمع المعنيين بالتنمية المستدامة والمتأثرين بنواتجها على المدى القصير والبعيد .
2 - استهلاك الموارد باعتدال وكفاءة ومراعاة الأسعار الأفضل للموارد، والاستخدام الأكثر كفاءة للموارد، والأطر الزمنية لاستبدال الموارد غير المتجددة بموارد بديلة، والاستخدامات البديلة المحتملة للموارد.
3 - عدم استهلاك الموارد المتجددة بوتيرة أسرع من قدرتها على التجدد أو بطريقة يمكن أن تؤذي البشر أو النظم الداعمة للحياة على الأرض وخاصة تلك التي ليس لها بدائل.
4 - يتعين تعزيز دور المجتمع المدني على كافة المستويات وذلك بتمكين الجميع من الوصول إلى المعلومات البيئية ، ومن المشاركة الموسعة في صنع القرارات البيئية ، إلى جانب الحكم بالعدل في القضايا البيئية. ولذا يتعين على الحكومات أن تهيئ الظروف التي تيسر على جميع قطاعات المجتمع أن تعرب عن رأيها وأن تؤدي دوراً فعالاً في تهيئة مصير مستدام.
5 - إن العلم هو القاعدة التي تقوم عليها صناعة القرارات ، الأمر الذي يستوجب تكثيف البحوث ، والتوسع في إشراك الأوساط العلمية وزيادة التعاون العلمي في معالجة القضايا البيئية الناشئة ، إلى جانب تطوير سبل التواصل بين الأوساط العلمية وصناع القرارات وغيرهم من أصحاب الشأن.
6 - التوسع في مجال الاعتماد على الطاقة النظيفة المتجددة كالطاقة الشمسية والطاقة المائية وطاقة الرياح.
المراجع :
- ريحان ، ريمان محمد ،2002
تنمية المجتمعات الجديدة – التمكين كأداة فاعلة فى عمليات التنمية الحضرية المستدامة ، رسالة دكتوراه ، كلية الهندسة ، جامعة القاهرة .
- الزهراني ، سعود بن حسين ، 1426هـ
مشكلات التنمية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية خلال فترة التخطيط التنموي ، الطبعة الثانية ، الباحة ، النادي الأدبي في الباحة.
- عبد الخالق ، عبد الله ، 1993م
التنمية المستديمة والعلاقة بين البيئة ، المستقبل العربي .
- العوضي ، سعاد عبد الله ، 2003
البيئة والتنمية المستدامة ، الجمعية الكويتية لحماية البيئة، الكويت .
- فيانا ، ميلو فانيا ، 1994
التنمية المتواصلة ، قراءة في السكان والاستهلاك والبيئة - الجمعية المصرية للنشر والمعرفة – القاهرة .
- قرين ، محمد الأمين ، 2008م
المؤشرات البيئية للتنمية المستدامة ، بحث مقدم إلى مؤتمر التنمية المستدامة ، جامعة سبها ، ليبيا.
- محمد عبد البديع ، 1990م
اقتصاد حماية البيئة ، مجلة مصر المعاصرة ، الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع ، القاهرة ، العدد 419/420 ، يناير
- Barbara , Ingham, 1995 , Economics and Development , Mc Graw – Hill Book Company Ltd London
- Fowke R and Prasad D, 1996. Sustainable development, cities and local government. Australian Planner 33
- Meadows, D. et al. The Limits to Growth: A Report to the Club of Rome’s Project on the Predicament of Mankind. New York, 1972.
- WCED, 1987, (World Commission on Environment and Development), Our Common Future, Oxford: Oxford University Press.
مصدر النشر: مركز معلومات التنظيم و الإدارة
تاريخ النشر:6/3/2019